طلبة الجامعة والتّحدّيات الجبّارة المعاصرة ( بين النّظريّ والتّجْرببيّ ) الإعداد : محمد فطري بن خير الأمم المادوري*
http://kaweruh99.blogspot.com/2016/03/blog-post.html
ومن الواضح إلى درجة البِداهة
أنّ ما حدَث في يومنا الرَّهِين مِن أنواع تطوُّراته العجيبة وتغيُّراته السريعة بما
في ذلك من نواحيه الواسعة هو أكثرُ خلاف ما كان قديما الغابريّ. ذلك دليلٌ على أنّ
هذا العالمَ قد تطوّر وازدهر قابلا للنَّماء غيرَ فارِغ راكِد جامِد، وبُرهانٌ على
أنّ ثَقافة الناس خصوصا فيما يتعلّق بالمعارف التطبقيّة تجري على نُمُوّ وارتِقاء دائم، سواءٌ كان وراءه ذاتُ نفْع وأَثَر إيْجابيّ
ملموس أو ذات ضارّ وأَثَر سَلْبيّ محسوس. وإذا قلنا إنّ تلك الحوادث مما قدّره وقضاه
اللّه تعالى فى الأزل فصحيح مسلَّم فيه ولا يُعلَم خلاف. لكن مجرّد ما كان ليس يدْعونا
إلى الإستِسْلام إليه تمامَ الإنقياذ بدون اتِّخَاذ المَوَاقِف واشتِراك الأَدْوار،
بل هي في الحقيقة يَتَطلّب من كلّ شخص أن يكون واعِيًا وذا مَبْدإ هادِف طِبْقَ
نِظامٍ مرسوم ومَنْهَج مرقوم من قِبَل دِيْنه القيِّم.
ومما يسْتَرعي انتِباهَ الجميع وقوع ما يُسَمِّيه بعضنا بعصر
السِّباق أو عصر العَوْلَمَة، على الأخصّ في هذه الآوَنة الأخيرة حيث تتصوّر فيها سهولةُ الوُلوج
في شتَّات المجالات الحيَوِيّة، ولا ينفكُّ عنها جانب التربيّة والتأديب. شاهد ذلك
أنّ مجالات العلم والمعرفة في بلادنا المحبوب إندونيسيا –حماها الله من كل
مكروهات- أصبحت في سُهولةٍ خارقةٍ والحصول لأجيالها، وليس بمُستَصْعَب كما كان من قبل. وفُرصَة التعلّم
والتعليم في هذه الأواخر تُعطِي نُزْهة هي أكبرُ وأعظم بالنِّسْبة لِما كان قبل عصر
التجديد، يتمتّع كل أبناء هذه الدوْلة من أصناف طبقاتهم وأنواع مراكزهم بإحساس حُلْو
التَّهَذُّب والتَّربيّة مع وسائلها العَديدة.
هذه الظاهرة الطيِّبة من جانب تُلزِم الإعتبار العالي من
كل أشخاص هذا الشَّعْب، لا سيَّما من شُبَّانه الذين هم رِجال مستقبَله. لكن من
جانب أخر، ليس بقليل ممّن يدخل في هذا المِيْدان لم يَحْظُ بالوُصول إلى ما وصل
إليه أمثالُه وأقرانه في تصرُّفات هذه البِشارات لعواملَ مختلفةٍ، بل هناك مسائل ومشاكل
ضيّقة تَتردَّد في الأذهان وتَختلِج في الصّدور التي أقبلت إلى أجْيال وطننا خصوصا
وشتىَّ الأقطار عموما. ومن المُؤسِف أنّ كثيرا مِنّا لا نتنبّه بهذه النظْرة، بل قد
لا نُبالي بما مرّ ويمرّ تِلقاء أعيُننا.
نرى -مَرّة- ظاهرة الإنْحِطاط التي تمسّ الجانب الأخلاقيّ
والخَوَاء الرُّوحيّ حيث يتزلزل اعتقاد كثير من أبْناء هذه البلْدة من جَرّاء الغَزْو
الفِكريّ وانتِشار العقائد الضالّة المُضِلّة. حتّى أهمل بعضهم ما فُرِض عليهم من
تعاليم قرآنيّة وسُنَن نبويّة منها فرائضها وواجباتها، وينتهكون ما شرّعه لهم
الشريعة الغَرّاء ويتلبّسون ويرتكبون ما حرّمتْه عليهم. فالغاية، كم مِن أُناس
يدّعون أنهّم مسلمون ولكنّهم في مَعْزِل عن الإسلام وتعاليمه.
ثم نرى -أخرى- ظاهرة
الإحْباط المنتشرة في أجواء بعض قلوب شَبَاب هذا الوطن. فداخلٌ منهم طلبة الجامعة الآكاديميّة
الذين هم كَوُكلاء التبديل والتغيير كما قيل. ذلك بالنّظر إلى قِلّة أَدْوارهم في
المجتمَع بعد ما رجعوا إليهم كفرْدٍ منهم. حتىّ نشاهد كثيرا منهم لم يتزوّدوا بأزوِدة
جَمّة من كَفاءة علميّة شخصيّة وعلوم إنسانيّة التي يحتاجون إليها في المُجتمَع لتمثيل
التغيير وتنفيذ التبديل إلى الأوضاع الحسنة والظروف الجيِّدة سعْيًا لتحقيق
الغاية. فحينئذ لم يُفتَح لهم مدخلٌ في المِهْنة ولا ملْجأٌ للعمل المُناسِب والتَّوظُّف
اللائق، فبقَوا عاطلين في السِّنين وصارُوا غيرَ اهتِمام بالآخَرين واضعين كَفّهم
على الخَدّ حائرين، وغير ذلك من كثرة المُعايَنة المشهودة الآن.
وإذا نظرنا إلى الوراء، فيُمكِن أن نَظنّ أنّهم لم
يستغرقوا أوقاتهم المُمتدّة بالجِدّ والإجتهاد حين عصور التدرّس والتعلّم. تمضي
نفائس أوقاتهم فارغة دون كسب فائدة عِلميّة أو عَمليّة، دِينيّة أو دُنيويّة. وإذا
أُوتِي لهم الأُطْروحة الجامعيّة والوظيفة الآكاديميّة صارُوا ينتهجون منهج
"النَسْخ واللّصْق"، بمعنى أنها عبارة عن نقل محض بدون تصرّف وصياغة
جديدة من قِبَل الكاتب، ممّا يؤدّي إلى الغلط والخلط في نسبة الأقوال وعزْو الآراء
إلى أربابها في توثيق مراجع بحوثه العلميّة. وهذا بالحقيقة وبالطبع يتنافى مع
مناهج وأساليب البحوث العلميّة الصحيحة الرشيدة. ثمّ في الوقت ذاته، شاهدنا أيضا
أنّ غير قليل من أقرانهم نالُوا ما نالُوا من الأُمنِيات والآمال على عكس ما كانوا
فيه.
إذًا،
ما مَوقِفنا كطلاّب الجامعة تُجاهَ هذا الواقع المَرير؟. فهل إلى خروج من سبيل؟. لذا،
فعَوْدة إلى بدء، ينبغي للطالب عموما وطالب الآكاديميّ الإسلاميّ على وجه الخصوص
أن يكون له استعدادٌ نفسيّ ورَقابة شخصيّة لِقِرأة هذه الظواهر من ألِفها إلى يائِها،
ويسوق إلى ترقية مُستواه العلميّ وتنمية مَقدِرته الذِّهنيّة وتطوير مَوهِبَته
الكامنة. حتى يكون مستعِدّا لاتِّخاذ المَواقف واشتراك الأَدْوار، وحَلّ العَراقل
الصادّة بقدر استطاعته من كل ما يُبطِئ سَيْره نحو المستقبَل. لأنّ الوُصول إلى النّجاح في الحياة
قد ارتبَط بتنظيم هذه الأوقات الثمِيْنة الباهظة، فقد قال الإمام الغزاليّ إنّ
الوقت جَوْهرةٌ لا قِيْمةَ لها.
ويلزم له
أيضا أن يَهتمّ ويتمسّك بِثَوْرة المعلومات القديمة وكذا العلوم المُعاصِرة كما قد حثّ عليه شيخنا مَيْمُون زُبَيْر
جميعَ طلاّبه ناقلا عن قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : "وَعَلَى الْعَاقِلِ
أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا
لِلِسَانِهِ". (أنظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني-1/167).
فالنَّتيجة هي
الرُقِيّ في مجالاتٍ مَعْرِفِيّة والتقدُّم في علوم جديدة وسوف يَلحَق بِرَكْب جديد لمواجهة كلّ
جديد. وبالطبع، أنّ اشتراك المُرَبِّي في التّوجيه إلى ذلك المَسْلَك المحمود هو
في المَقام الأوّل، وهذا مما لا مجالَ فيه للشّكّ. والله أعلم.
*طالب فصل الثامن شعبة علوم القرآن والتفسير بجامعة
الأنوار الإسلاميّة.
المفردات :
طلبة الجامعة : Mahasiswa علوم إنسانية : Ilmu-ilmu humaniora
التَحَدِّيات الجبّارة : Tantangan
besar الخواء الروحي : Kekosongan rohani
المُعَاصِرة : Kontemporer الغَزْو الفِكْري : Perang ideologi
بين النظَرِيّ والتَّجْرِيبيّ : Antara
teoritis dan empiris في مَعزِل عن : Jauh dari
تطوَّر وازدَهَر : Berkembang الإحباط : Stres/frustasi
المعارف التطبقية : Ilmu-ilmu
terapan مجالات : Bidang/sektor
ثَقافة : Kebudayaan الإعتبار العالي : Apresiasi tinggi
فُرْصة ونُزهة : Kesempatan أجواء : Suasana
ارتِقاء دائم : Kemajuan yang berkesinambungan وُكَلاء التبديل والتغيير : Agen
perubahan
اتِّخاذ المَواقف : Mengambil sikap الأُطْرُوحة : Makalah
اشتِراك الأَدْوار : Ikut serta berperan الوظيفة الآكاديميّة : Tugas akademik
واعِيا : Peka النَّسْخ واللَّصْق : Copi paste
مَبْدإ هادِف : Prinsip yang
terarah الأُمْنِيات والآمال : Harapan dan cita-cita
نِظام مرسوم : Sistem baku فعَوْدة إلى بَدْء : Kembali ke topik
inti
مَنْهَج مرقوم : Metode tepat استِعْداد نَفْسي : Persiapan diri
الظاهرة : Fenomena رَقابة شَخْصية : Pengawasan
pribadi
عصر السِّباق : Era kompetisi المُرَبّي : Guru / pendidik
عصر العَوْلَمَة : Era
globalisasi الإنحطاط : Dekadensi
عصر التجديد : Era reformasi من المُؤسِف : Ironisnya/yang disesalkan
مما يسْتَرعي الإنتِباه : Termasuk yang menarik perhatian